نشأت روبرت ستيفنس سميث
بادن بأول
مؤسس الحركة الكشفية
إن تأسيس
الحركة الكشفية جاء كحاجة وضرورة ، وهذا ما أدى إلى انتشارها في كافة أنحاء
العالم، رغم أن مؤسسها لم يكن في ذهنه أنشاء حركة جديدة ، ولكنه أطلق أفكار و إرشادات
تعبر عن احتياجات الافراد و المجتمع في عصره و حلول للأمراض التي كان يعاني منها
جيل الشباب فتحولت الى مدرسة حياة ، فكان السابق لزمانه في التعبير و إيجاد الطرق
والوسائل لتلبية حاجة الفرد والمجتمع و تنميته من خلال اختياره حياة الغابات و العيش في الطبيعة و النشاط في الهواء الطلق، و التعرف
والتعامل مع الطبيعة في أمور العيش والنمو
والبناء ضمن الإطار الاجتماعي، و من هنا سننطلق للتعرف على حياة و نشأت روبرت بادن
بأول التي كان لها الدور والآثر في تبلور فكرة الحركة الكشفية.
نشأة
روبرت ستيفنس سميث بادن باول
ولد سنة
1857م، وولدته "هنريميتا " امرأة عرفت بعدة مزايا، فهي ذكية وحريصة على
تربية عائلة كبيرة على أحسن التقاليد، وكان والدها "أدميرال" في البحرية
, فيزيائي وعالم فلك وعضو في الجمعية الملكية لدراسة الفلك والجمعية الملكية
للجغرافيا، وكان يسكن في شارع العلماء والمفكرين في شارع "شاين"، وكان
زوجها بادن باول أستاذ الرياضيات في جامعة اكسفورد في الحادية والثلاثين من عمره.
عاش مؤسس
الحركة الكشفية "روبرت" دون أب منذ صغره فقد مات أبوه بادن وعمره ثلاث
سنين، فحرصت أمه على تربية أبنائها على التقاليد العائلية المتبعة حينذاك، وقد كان
منزل بادن باول ملتقى لكثير من العلماء والأدباء مثل روسكن وعالم الطبيعيات هلكسي،
وقد كان روبرت ستيفنس بادن باول يختبئ وراء الباب كي يستمع إلى أحاديث الكبار،
ولقد كان لجده لأمه الأدميرال سميث تأثير مباشر عليه، فقد كان يحكي له القصص عن
البحرية والمغامرات حيث كان يجالسه على شرفة منزلهم.
كان روبرت
يهوى الرسم والتصوير والكتابةـ وكان له خبرة واسعة في مزج الألوان، وهكذا نرى أن
مؤسس الحركة الكشفية كان يتمتع بمزايا خلاقة منذ صغره.
التحق روبرت
بمدرسة "تشارتر هوس" وهي من المدارس العريقة المميزة الخاصة بأولاد
الأغنياء وأصحاب النسب. ولم يكن روبرت لامعا في مجال العلوم والطبيعة ولكنه استعاض
عنها بميوله الفنية وممارسة نشاطه في الهواء الطلق، وفي نهاية دراسته الثانوية
حاول الوصول إلى جامعة اكسفورد حسب تقاليد العائلة ولكنه أخفق في ذلك، ولكن سرعان
ما وجد الفرصة في المدرسة الحربية فسجل اسمه وأجريت مباراة خيالة للقبول فكان
ترتيبه الخامس في المباراة من بين 718 مرشحا، وكان عليه أن يقضي سنتين في التدريب
ولكنه أعفي منها لتفوقه وقضى مدة شهرين فقط في التدريب تخرج بعدها برتبة ملازم أول
في الخيالة عام 1876م، وبعد فترة وجيزة التحق بفيلقه المتوجه للهند.
وهكذا أصبح
روبرت ملازما مسؤولا عن عدة عسكريين ومدنيين في الشمال الشرقي من الهند ، ولقد
بدأت تظهر مواهبه خصوصا في التمثيل والإخراج ورسم بطاقات الدعوة للحفلات التي تقام
احتفالا بتنصيب الملكة فكتوريا إمبراطورة على جزر الهند، ولقد كانت له اهتمامات
بعلم المساحة حتى إنه حصل على نجمة إضافية لمهارته في هذا الفن. ولقد عمل فترة في
أفغانستان تحت إمرة عقيد كفؤ الذي سلمه مسؤوليات ضخمة من بينها تحليل أسباب
الهزيمة التي مني بها الجيش البريطاني في أفغانستان، ولقد بذل مجهودا كبيرا في ذلك
حتى رقي إلى رتبة نقيب وكان عمره 26 سنة، وقد كان يعطي دروسا في ركوب الخيل
والرماية بالإضافة إلى الأعمال المكتبية.
لقد وصل
روبرت بادن باول إلى رتبة عميد في سن التاسعة والثلاثين وأصبح قائد للفرقة الخامسة
للخيالة، ونقل للهند مرة ثانية بعد جنوب أفريقيا. ثم أنشأ فرقة كشافة في
سريته لاقتناعه بأنه واجب، واهتم بتدريبهم واخترع شعارا خاصا بهم يشبه زهرة
الزنبق، ثم ألف كتابه (استطلاع وكشفية) لمساعدة الجنود في مهمتهم الاستكشافية.
كان لشهرة
بادن باول دور في نشر الكشفية، ولعل بداية شهرته على مستوى بريطانيا العظمى في ذلك
الوقت هو مهمته التي قام بها في فك الحصار عن (مافيكنغ)، وهي إحدى القرى الإفريقية
التي كان يحاصرها البوير، ولقد اهتمت الصحف البريطانية بهذا النصر بإسهاب شديد،
واعتبرت هذا النصر تاريخيا، وبعد هذه الحادثة رقي روبرت بادن باول إلى رتبة جنرال
"لواء" وكان الأصغر في الجيش البريطاني من بين من يحملون هذه الرتبة حيث
كان عمره آنذاك 43سنة، وهكذا أصبح المدافع عن "مافيكينغ" خلال أيام
معدودة البطل الوطني لبريطانيا.
يحدثنا
روبرت عن حصار (مافيكنغ):
لقد تمكن
من اختبار فائدة الفتيان الصغار أثناء الدفاع عن مافيكنغ عامي 1889م و1900م،
ومافيكنغ هي واحدة من تلك المدن القائمة في سهول أفريقيا الجنوبية الفسيحة
لو يكن هناك من يفكر بأنها ستكون يوما من الأيام هدفا للعدو.. عندما تأكدنا من
حقيقة غزونا في مافيكنغ سارعنا إلى توزيع حامياتنا على المراكز التي كانت بحاجة
إلى الحماية وكانت مؤلفة من سبعمائة رجل، اضطررنا إلى تجنيد رجال المدينة وعددهم
ثلاثمائة للدفاع عن مكان يبلغ محيطه ثمانية كيلو متر مربع ويضم ستمائة امرأة وطفل
من الجنس الأبيض وسبعة آلاف مواطن وكلما قتل عدد من رجال المدينة ازدادت الأعباء
على البقية. ولقد استطاع رئيس أركان الحرب أن يجمع فتيان المدينة الصغار وينظم
منهم وحدة صالحة ونافعة مثل تبليغ الأوامر وحمل التعليمات والقيام بأعباء الحفر
والخدمة العادية مما كان له كبير الأثر في مساعدة الكتيبة في فك الحصار عن القرية
الذي استمر سبعة أشهر.
التحصينات التي اقيمت في مافيكنغ
لقد انتهت
مهمة روبرت بادن باول، مهمته كقائد عسكري برتبة لواء حينما أحيل على التقاعد في 10
حزيران 1907م ليتفرغ لدوره المقبل في الحياة المدنية. حيث التقى برجلين كان لهما
تأثير على كتباته في المستقبل.
الأول هو:
سميث رئيس فرقة الفتيان البريطانية ، وهو تنظيم شبه عسكري يضم أربعمائة ألف عضو.
الثاني هو:
أرنست توبسون من أوائل علماء البيئة في العصر الحديث، وهو يعرف الكثير عن
الحيوانات والنباتات في الغابات الأمريكية، فأنشأ برنامجا للشباب استوحاه من أعمال
ومعيشة الهنود في الغابات.
وقد استفاد
روبرت من تجربة هذين الرجلين في اعتماد تربية جديدة مكتسبة وأكثر حرصا تقوم على
الطبيعة والهواء الطلق وعلى تطوير حسن المراقبة عند الشباب.ولقد انتهى من صياغة
برنامجه الكشفي حسب مفهومه خلال قيامه بجولة تفتيشية في مصر، وفي الخلاصة الميزة
الكبرى هي إقتناع المؤلف بأن أفضل طريقة لتنشئة مواطنين صالحين تكمن في الشباب
أنفسهم إذا ما توزعوا في مجموعات صعيرة وطلائع مؤلفة من ستة أشخاص تحت إمرة قائد
يختارونه هم ليعتني شخصيا بتربيتهم كل هذا تحت أشراف متطوعين كبار.
وهكذا
أراد روبرت أن يطبق برنامجه الجديد على مجموعة صغيرة من الأولاد، فقرر أن يتجه إلى
جزيرة (براونس) مع صديقه ماكلارن وجمع عشرين ولدا من أبناء بعض أصحابه في المدارس
وبعض أولاد المزارعين والعمال. خضع هؤلاء الصبية لأولى دورات الاختبار. كان همه هو
معرفة ما إذا تركت مجموعة صغيرة لنفسها فهل باستطاعتها العمل وحدها أم لا؟ لأنه من
غير المؤكد أن صغارا بمثل هذا العمر قد يتقبلون قيادة وأوامر بعضهم البعض , ولم
يكن من المعروف كذلك أن هؤلاء الصغار إذا تركوا وحدهم لكي ينسقوا واجباتهم
المقررة بالرضى المتبادل أنه باستطاعتهم ممارسة مسؤولياتهم دون أن يسيئوا استعمال
سلطاتهم، وأن دورهم كقياديين سوف يقبل به. لقد كانت تجربته ناجحة تماما وفي
الاتجاه المطلوب وعندما رفع مخيم (براونسي) في التاسع من آب 1907م بدأ في ذلك
اليوم تاريخ الحركة الكشفية.
......... يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق